جيهان عبد الرحمن تكتب : انقلاب الموازين
بينما طلاب الصف الثاني الابتدائي يطبخون الأرز بالشعرية ويعدون أطباق السلطة طبقا لمناهج اللغة العربية المطورة حديثا, وكل معلمة تجتهد بما لديها من مهارات مطبخيه وإضفاء نكهات مختلفة علي دروس اللغة العربية للارتقاء “بالنفس” في الطعام , وطلاب الصف الثالث الابتدائي مقسمين إلي مجموعات طبقا لتعليمات مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية و يقومون بنخل الدقيق جيدا تمهيدا لعمل الخبز, والأطفال الصغار فرحين بما أتاهم من أكواب الدقيق واللت والعجن في منافسة واضحة مع الشيفات نجلاء ونونه والشربيني وغيرهم من نجوم المجتمع الجدد. كان تلاميذ المدارس الدولية في واد أخر تحديدا يوم 31 أكتوبر الماضي يحتفلون بالهالوين لكن بطريقتهم الخاصة حيث قامت أحدي المدارس باختراع جثة لتلميذة مقطعة الأوصال ويقوم التلاميذ بملابسهم الغريبة المرعبة الملطخة بالدماء بأكل أجزاء من تلك الجثة في مشاهد وصور صادمة بشعة مرعبه متداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم أن عيد الهالوين يخص المسيحيون الغربيون ولا يعرف أحد أصله علي وجه التحديد البعض يربطه بقصص خياليه مثل أفلام الرعب والزومبي والوحوش والأشباح والأرواح الشريرة، وبعض الباحثين أرجعوا أصول هذا العيد الغريب إلي جذور وثنيه ولا يرتبط بأي معتقد ديني، حيث يعتقد هؤلاء أن الأرواح الشريرة تنتقل في هذا اليوم من عالم البرزخ إلي الأرض وحتي يلتبس عليها الأمر يتم إخافتها حتي تعود أدراجها إلي عالم البرزخ.
ورغم أنه لا ناقة لنا ولا جمل في هذا الأمر لكنه مجرد تقليد أعمى في ظل انعدام أية رقابه من مؤسسة التعليم علي تلك المدارس ولا نقول هنا وزارة التربية والتعليم التي تتخلي فعليا عن مضمون مسماها عاما بعد الأخر، لنشهد حالة صارخة من انقلاب موازين المنطق والأسس التربوية والعلمية, والغريب أن تجد بعض الأمهات و أولياء الأمور يدافعون عن هذا العيث بدعوي دعوا الأطفال يحتفلون ويستمتعوا!.
أضف إلي ذلك حفلات كلر color أو مهرجان الألوان الهندي الذي تسلل هو الأخر إلي مجتمعنا وبعض مدارسنا أغاني وموسيقي صاخبه ورقص وتنطيط وشباب وشبات تكاد تختفي ملامحهم وملابسهم من الألوان التي يقذفون بها بعضهم البعض وتلك الحفلات بتكييت وتنظيم مسبق.
في ظل هذا العبث نجد طلاب الصف الثاني الثانوي يتابعون دروسهم عبر فيديو تعليمي من ديسكفري يعلمهم كيف يرسمون الدالة بثلاثة مواقف مختلفة لكن كلها ابتذال وألفاظ خارجه مما يتناولها السوقة في الشوارع, ناهيكم عن تصوير الدالة بفتاة جميله في أحد المدارس المجاورة لبطل القصة فهو يريد “مصاحبتها” بمساعدة المدرس وهذا تعبير مؤدب من عندي لآنه أستخدم ألفاظ أخري لا تليق وفي النهاية تعترف الدالة ان الرسم صحيح لكنها تعتذر للشاب لأنها “مصاحبه ” تلميذ أخر.
الغريب ان بعض الشباب ممن تحدثت معهم استنكروا حالة الغضب التي اجتاحت أولياء الأمور وقالوا لقد أستخدم الفيديو اللغة التي نفهمها بل أنه قام بتبسيط المعلومة فهي ألفاظ عاديه نستخدمها في تعاملنا الشخصي مع بعضنا البعض. وأضافوا فماذا ستفعلون لو حضرتم معنا في السناتر والمناهج تشرح بالرقص والطبل والمزمار وعلي أنغام واحده ونص. وما هو الموقف وبعض أساتذة الجامعات خاصة في كليات البنين مثل التربية الرياضية يستخدمون ألفاظا نابية وبلا حياء.
وبعيدا عن رد الوزارة الرسمي وإزالة ديسكفري للفيلم المسيء من عدمه فأن ما يحدث في التعليم هو انقلاب بكل ما تحمله الكلمة من معني, لكل الموازين رأسا علي عقب فبدلا من أن نرتقي بطلابنا ونحافظ علي ما تبقي لنا من جمال لغتنا الجميلة هبطنا معهم بدعوي التعامل بلغتهم ليهبط المجتمع كله إلي القاع.
لذا لا تتعجب أن حملة تفتيش واحدة بين طلاب أحدي مدارس التعليم الفني بالإسكندرية قام بها مدرس أسمه محمد الغول أسفرت عن عدد من المطاوي والسنج والأسلحة البيضاء والمخدرات بأنواعها وأدوات غريبة تماثل ما تعرضه حملات وزارة الداخلية بعد الهجوم علي أحد أوكار المجرمين وأرجوك لا تتعجب لو علمت أنه يتم حاليا التحقيق مع هذا المعلم!.
يحدث ذلك في غياب تام لدور أساتذة وعلماء التربية والاجتماع وتغيبهم عمدا عن المشهد بل ان ثمة أصوات في مجلس النواب تنادي بغلق كليات التربية نهائيا تضامنا واقتناعا بسياسة وزير التربية والتعليم الحالي …. ولنا الله وحده .