لواء دكتور/ سمير فرج يكتب : نقطة مضيئة في مصر … “مدينة الإنتاج الإعلامي”
كثيراً ما تقود الأقدار، أحد الأشخاص، لتولي إدارة مكان، امتدت إليه أيادي الإهمال، لفترات طويلة، فيكون عليه الاختيار بين أن يدخل ذلك المكان، ويخرج منه دونما ترك أي أثر يذكر، أو أن يضع بصماته عليه، فيعيد له رونقه، وعظمته، ومكانته، ليصبح هذا المكان في الصدارة. وقد اتضح لي، جلياً، اختيار الأخ الصديق، أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، ورئيس مجلس الإدارة، والعضو المنتدب، الحالي، لمدينة الإنتاج الإعلامي، عندما لبيت دعوته، لزيارته، في مكتبه بالمدينة، التي لم أراها، منذ أكثر من عشرين عاماً، منذ حضوري لحفل افتتاحها.
ذهبت لزيارة صديقي، في هذا الصرح الإعلامي، المصري، العظيم، الذي يضم العديد من الاستوديوهات، التي تستخدمها معظم القنوات الفضائية، والمحطات الإذاعية، لبث برامجها، فصحبني، مشكوراً، في جولة داخل المدينة، لأرى بعيني ما حدث فيها. وعلمت، من خلال حديثنا، أن الأستاذ أسامة هيكل تسلم إدارة المدينة، في عام 2014، وهي محملة بالديون، واليوم، تم تسديد كافة هذه الديون، وتحقق لها فائض لأعمال التطوير، والتحديث. فعلى سبيل المثال يتبع مدينة الإنتاج الإعلامي، الأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام، والتي تضم ثلاث كليات للإعلام، والهندسة، وإدارة الأعمال، فتم تطويرها، لتصبح جامعة، في المستقبل القريب، تضم ست كليات، وجاري إنشاء المباني الجديدة لها.
وفوجئت بأنه أضاف للمدينة، منذ عامين، مجمعاً جديداً للمراكز الفنية، يضم أحدث استوديو في مصر لأعمال المونتاج، والجرافيك، وتيليسين، وأكبر بلاتوه، واستوديو صوت، في الشرق الأوسط، يتسع لأوركسترا كامل، ومعامل تحميض، وترجمة، وميكساج، ودوبلاج، وتصحيح ألوان، وأكبر مكتبة رقمية للمواد السمعية والبصرية، ومزود بالكاميرات الحديثة المثبتة على الطائرات المسيرة بدون طيار. أما سعادتي الأكبر فكانت في زيارة صرح جديد، هو استوديو دولبي أتموس Atmos، وهو أحدث استوديو صوت، في الشرق الأوسط، من حيث تجسيم وتوزيع الصوت، ٣٦٠ درجة، وإضافة خاصية Atmos، التي ليس لها نظير في الشرق الأوسط، سوى في هذا الاستوديو الضخم. واستمعت إلى بعض إنتاج هذا الاستوديو، فانبهرت بحجم، ومستوى، التكنولوجيا الحديثة، التي تجعلك تشاهد العمل الفني، والمؤثرات الصوتية تحيط بك، فتشعرك وكأنك في وسط الحدث. أما قمة الإبداع فتكمن في أن كل هذا الاستوديو، يديره خمس، فقط، من المهندسين، على أعلى درجات الكفاءة الفنية، وقد نفذوا، بالفعل، ٧٥ فيلماً، هذا العام، من مصر، والعالم العربي.
واطلعت، كذلك، على أحدث مشروعات المدينة، وهو مركز ترميم التراث، الذي لا يعد نقلة نوعية لمصر، فحسب، وإنما لعموم الوطن العربي، ذلك المركز الذي يحتوي على أحدث الأجهزة الألمانية، التي تقوم بالحفاظ على التراث القديم من أفلام، ومسلسلات، وبرامج، وأخبار، وجريدة مصر الناطقة، التي تحوي تاريخ مصر الحديث، من خلال ترميم جميع هذه الأعمال، من حيث الصوت، والصورة، لرفع جودتها، فتتمكن اليوم، بعد أكثر من ٥٠ عاماً على إنتاجها، من مشاهدتها وكأنها مصورة اليوم، إضافة إلى تحويل تلك المواد الفنية، لتقنية K6، التي تمد من عمر صلاحيتها حتى ٣٠٠ عاماً، بعد أن كانت عرضة للتلف، من عوامل الزمن.
انبهرت، من علو الجودة، وأنا أشاهد، بنفسي، عرضاً لجنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من خلال جريدة مصر الناطقة، وعرضاً، آخر، لزيارة الرئيس الراحل، أنور السادات، إلى القدس، عقب انتصار قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر 1973. وكم كنت فخوراً وأنا أستمع إلى شرح المهندسة ندى، مديرة المركز، عن خطوات استعادة كفاءة هذا التراث، وشعرت بالسعادة عندما علمت أن مدينة الإنتاج الإعلامي، تعاقدت مع الهيئة العامة للاستعلامات، لإعادة ترميم مكتبتها، التي تحتوي على حوالي ٢٧٠٠ عمل فني، وكذلك قيام شركات القطاع الخاص بترميم الأفلام القديمة، الأبيض والأسود، ثم الألوان، بعد ذلك.
ولم يكتف الأستاذ أسامة هيكل، بهذا، وحسب، بل يقوم، حالياً، بإنشاء مسرح على أحدث طراز، وباستخدام أحدث تقنيات العصر، لاكتشاف المواهب الشابة، في شتى المجالات، من خلال برامج المسابقات، على غرار برامج “Arab Got Talent” و“The Voice” … إلخ، لتكتمل رؤية وأهداف مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية. كما أنشأ، خارج حرم المدينة، مراكز إعلامية للخدمات، والتي افتتحت، مؤخراً، بثلاث استوديوهات، بمناطق العجوزة وماسبيرو، لتحقق للمراسلين العرب، والأجانب، إمكانية بث المواد الإخبارية، من القاهرة، على خلفية معالم مصر العظيمة، لتظهر صورتها الحضارية بالشكل اللائق، إذ يتيح لهم خدمات فائقة الجودة، بتكنولوجيا عالية، بدلاً من الوحدات السكنية المستأجرة، التي كان المراسلون الأجانب، من كبرى المحطات العالمية، مثل CNN وBBC، وغيرهم، يستخدمونها، من قبل.
وحيث أن الوزير أسامة هيكل، هو أول إعلامي، في مصر، يحصل على شهادة زمالة كلية الدفاع الوطني، من أكاديمية ناصر العسكرية، التي أكسبته الخبرة العلمية، إلى جانب الخبرات العملية، التي اكتسبها من خلال تغطيته للأحداث العالمية، فقد استفاد من خبراته المتراكمة، وأسس مركزاً لإدارة الأزمات، على أعلى درجة من الحرفية، في العلم والتكنولوجيا … فاطلعت، بنفسي، على السيناريوهات، والبدائل المختلفة، التي وضعها ذلك المركز، الهام، في 2013، لتصدي مدينة الإنتاج الإعلامي، لأزمة حصار جماعة الإخوان المحظورة، لمقرها. وتطبيقاً للدروس المستفادة من الأزمات، فقد تم تجهيز مدينة الإنتاج الإعلامي، بمحطات الكهرباء الجديدة، عالية الكفاءة، الخاصة بها، لتفادي تهديد توقف العمل بالاستوديوهات، مثلما حدث، من قبل، عند مهاجمة أبراج الكهرباء، في عملية إرهابية خسيسة، فأصبح للمدينة مولدات الكهرباء الخاصة بها.
لقد استمتعت بزيارة هذا الصرح العظيم، الذي يمثل فصلاً، أو بالأحرى مرجعاً، مضيئاً من تاريخ الإعلام المصري الحديث … فمن العظيم أن تتسلم مكان ترهق كاهله الديون، وينخر جنباته الإهمال، فتضع له خطة، برؤية ثاقبة، تزينه بكل هذه الإنجازات، السريعة، والمشرفة، ليضع مصر في الصدارة، والريادة الإعلامية، التي تستحقها … إنها الصرح العظيم مدينة الانتاج الإعلامي … أو “هوليوود الشرق”.