جونسون وترامب وجهان لعملة واحدة
جونسون كان جده كان يعمل مزارعا في مصر عام 1935.. وداعم قوي للصهيونية..
مع إعلان فوز بوريس جونسون برئاسة حزب المحافظين البريطاني وخلاقته لتريزا ماي في رئاسة الوزراء البريطانية، حرص البعض على تشبيهه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانفعالات والمواقف والعفوية وفي الشكل، بما أثار عدة تساؤلات حول طبيعة تعامله مع قضايا الشرق الأوسط المتأزمة وطريقة تعاطيه مع ملفات مثل القضية الفلسطينية والملاحة في مضيق هرمز ومشكلات دول الخليج.
أزمة الخليج
ويأتي تنصيب رئيس الوزراء البريطاني الجديد في ظل أزمة مستعرة في الخليج، بسبب الاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط في مضيق هرمز، والتي كان آخرها احتجاز ناقلة النفط البريطانية «ستينا إمبيرو»، في رد على احتجاز بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية “جرايس 1” قبالة سواحل جبل طارق، بعد الاشتباه في خرقها للعقوبات المفروضة على سوريا، إلا أن أول موقف واضح بشأن القضية جاء عن طريق توجيه جونسون لوزارة الدفاع البريطانية بمرافقة البحرية الملكية البريطانية لناقلات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز، ويتبقى الآن أمام رئيس الوزراء الجديد تحدي هام يتعلق بكيفية تعاطيه مع الأزمة التي تحتاج إلى دبلوماسية محنكة لتخطيها.
السعودية
وتعد السعودية أحد أهم الحلفاء مع بريطانيا، وتربطهما علاقات اقتصادية وعسكرية قوية، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية أبرمت بريطانيا صفقات أسلحة بالمليارات مع الرياض، ولكن على الرغم من ذلك تبنى جونسون موقفا معاديا للسعودية، ظهر بشكل واضح عندما كان وزيرًا للخارجية واتهمها بأنها تحرك الدمى وتخوض حروبًا بالوكالة خلال عام 2016م، كما وجه إليها اتهاما بالإساءة لاستخدام الدين، ولكن على الفور تم إعلان توضيح رسمي بشأن احترام بريطانيا للسلطات السعودية باعتبارها دولة صديقة، وتوجه جونسون بعدها بأيام للمملكة في زيارة شبهها البعض بأنها اعتذارًا عن تصريحاته، ليعود بعدها للتحرك في سياق السياسة البريطانية الخارجية، ويؤيد حرب السعودية ضد المليشيات الحوثية في اليمن.
صهيوني
«صهيوني حتى النخاع» يعد تصريح شهير لبوريس جونسون يظهر مدى علاقته بالاحتلال الإسرائيلي ودعمه الكامل للعنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وكيف سيكون تعاطيه مع مسألة التوصل لاتفاقية السلام في الشرق الأوسط، المعروفة إعلاميًا بصفقة القرن، وإمكانية ممارسته لإستراتيجية الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بتسوية تحقق مصالح الجانب الإسرائيلي، خاصة في ظل تأكيده في وقت سابق أنه يحب إسرائيل للغاية، الأمر الذي طرح إمكانية ظهور مرتقب لبريطانيا خلال الفترة المقبلة بشكل واضح إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أي صفقة للتسوية بين الجانبين.
مصر
وعلى الرغم من أن مصر وبريطانيا تجمعهما علاقات طيبة في الكثير من المجالات إلا أن المسائل المتعلقة بالسياحة البريطانية الواردة لمصر متوترة إلى حد ما، خاصة في ظل استمرار وقف الأخيرة لرحلاتها إلى شرم الشيخ، منذ وقوع حادث تحطم الطائرة الروسية في 2015م، ولكن مع قدوم بوريس جونسون، تتضح ملامح تحسن في تلك القضايا العالقة، خاصة وأن لدى جونسون علاقة طيبة مع مصر ظهرت خلال زيارته إليها في عام 2017م، التي أبدى فيه تعليقات إيجابية عن العلاقات بين الدولتين وتأكيده أن جده كان يعمل مزارعًا في مصر عام 1935م.
الشرق الأوسط
وفي نفس السياق، قال السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن تولي جونسون لرئاسة وزراء بريطانيا لن يكون له آثار مباشرة على الأوضاع في الشرق الأوسط، ولن يختلف كثيرًا عن تريزا ماي، لأنه يمثل مواقف المملكة المتحدة التاريخية بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط الجوهرية مثل القضية الفلسطينية، باعتبار بريطانيا هي المؤسسة لإسرائيل، مذكرًا بواقعة طلب الاعتذار من تريزا ماي عن وعد بلفور في الذكرى المائة له، الأمر الذي قوبل برفض شديد من ماي وإعلانها الاعتزاز والفخر بذلك الوعد.
وأضاف «القويسني» خلال حديثه لـ«فيتو»، أن جونسون يستكمل سياسات حزب المحافظين ولن يكون له موقفًا مختلفًا فيما يتعلق بمصر، موضحًا أن الدبلوماسية المصرية أصبح لديها وعي ناضج فيما يتعلق بالمملكة المتحدة، خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون في 2015م، وقف الرحلات الجوية لشرم الشيخ، أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشكل يفتقد للياقة الدبلوماسية.
وأكد أن جهاز المخابرات البريطاني« MI6» يتحكم في توجيه سياسات بريطانيا نحو الشرق الأوسط، وهو المؤسس والممول والمخطط الأول للجماعات الجهادية الإرهابية في المنطقة، وبالتالي لن يخرج جونسون عن ذلك الإطار، متوقعًا أن جونسون «رئيس وزراء صهيوني في قلبه وفكره».
وأشار إلى أن الأمر الجديد أن جونسون يعد صنو ترامب في شعبويته وتصريحاته ومظهره، وهو أميل لتبني مجمل السياسات الأمريكية وسيكون خادمًا للمنظور الأمريكي المتعلق بالقضية الفلسطينية، مطالبًا بضرورة الحذر في التعامل معه باعتباره حليفا قويا لواشنطن.
الاتحاد الأوروبي
ومن جانبه، قال السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن بوريس جونسون لديه تحدي في غاية الخطورة يتمثل في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، خاصة في ظل رفض الاتحاد الأوروبي تغيير موقفه من القضية ورفض البرلمان لاتفاق الخروج، موضحًا أنه ربما تجرى انتخابات في بريطانيا سبتمبر المقبل، بما سيدفع رئيس الوزراء الجديد للحفاظ على مواقف بريطانيا من القضايا الخارجية، فيما عدا بعض النقاط التي تقربه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأشار عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إلى أن جونسون يرى أنه في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون هناك تحالفا كاملا مع أمريكا تجاريا واقتصاديا لتعويض الخسائر التي ستنجم عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبالفعل بدأت أولى الخطوات لإتمام ذلك عن طريق إعلان الاتجاه لتشكيل قوة مشتركة لحماية الملاحة في الخليج.
وأكد أن رئيس الوزراء الجديد لن يخرج عن الإطار المعلن من جانب الاتحاد الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية -عندما أعلنت أمريكا القدس عاصمة لإسرائيل- والمتمثل في التمسك بدولة فلسطينية على حدود يونيو 1976م، والتأكيد على عدم شرعية المستوطنات وضرورة حل مشكلة اللاجئين، ورغم وجود تفاوت بسيط في رؤى دول الاتحاد الأوروبي للمسألة إلا أنهم يتحركون في ظل الإطار الذي حدده الاتحاد الأوروبي.
ورأى أن جونسون لا يعد «أهوج» كما يراه البعض بل هو سياسي وصحفي وكاتب محنك، ولكن شخصيته عفوية وتلقائية بعض الشيء وهو الأمر الذي أكسبه شعبية واسعة في بريطانيا، لافتا إلى أنه سيحافظ على علاقاته مع دول الخليج لأن بريطانيا ترتبط بمصالح حيوية مع دول الخليج من صفقات أسلحة واستثمارات بمبالغ ضخمة، ولابد عليه مراعاتها.
وأضاف أن السياسة البريطانية على وشك الدخول لمرحلة جديدة ولكنها أمام اختيار صعب بالنسبة لقضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، معربا عن أمله في تحسن الأوضاع مع مصر فيما يخص مسألة السياحة البريطانية المتوقفة إلى شرم الشيخ.